الثلاثاء، 9 سبتمبر 2008

أعطني تطبيعا ... أعطك جاسوسية !! - د. مصطفى رجب





قال موشيه دايان وزير دفاع إسرائيل لإسحق حوفي رئيس جهاز الاستخبارات (الموساد): "أريد رؤية السادات كما يرى الإله البشر!!". وكانت هذه رغبةً بيجين أيضًا رئيس وزراء إسرائيل. وقد طلبا هذا الطلب من رئيس الموساد – حسب اعترافاته- بعد ما تحدد نهائيًّا موعد زيارة السادات لإسرائيل, وتنفيذًا لرغبة رئيس الحكومة ووزير الدفاع طلب الموساد من إدارة فندق الملك داود [الذي تقرر أن يقيم فيه السادات] صباح يوم 16/11/1977 إتاحة الفرصة للموساد لفحص الجناح الرئاسي المحجوز للرئيس المصري ومرافقيه.

وقام الموساد بتركيب 45 ميكرفونًا حديثًا في وسط الحوائط التي أعيدت بعد ذلك إلى حالتها الأولى بهدف التنصت السمعي لكل ما يدور في الجناح من أحاديث. كما تم زرع عدسات تصوير ميكروسكوبية للتصوير بالفيديو ليتاح لبيجين ودايان أن يريا الرئيس اسادات في جميع أحواله وتحركاته في غرف الجناح. وكان رئيس الموساد قد أبدى مخاوفه من أن تتمكن فرق الأمن المصرية (التي ستتسلم الجناح لتأمينه قبل وصول الرئيس) من كشف التجسس مما اضطر حكومة إسرائيل لأن تطلب من المخابرات الأمريكية أجهزة حديثة لم يتدرب عليها المصريون ولا خبرة لديهم بها.

ووصلت الفرق الأمنية الرئاسية المصرية إلى مطار بن جوريون صباح يوم 17/11/1977 قبل يومين من وصول السادات مساء السبت 19/11/, وكانت مكونةً من 60 فردًا مقسمين إلى ثلاث مجموعات إحداها لتأمين الطريق, والثانية لتأمين الشوارع المجاورة للفندق, وثالثة قامت بمسح أمني شامل للجناح المحجوز, وخلال ساعات أدرك المصريون أن هناك أجهزة تجسس سمعي وتصويري وتم تحديد أماكنها وإبطال عملها. وتركيب أجهزة تمنع تسجيل أي محادثات في الغرف المحجوزة. وعند وصول السادات قال لكبار رجاله: ممكن أقول نكتة يا أولادي؟ فضحكوا, وقالوا: قل أي نكتة يا ريِّس!!! وكان معنى ذلك أن كل الأماكن الرئاسية تم تنظيمها!!

هذه الواقعة تكشف عن طبيعة الإسرائيليين التي لا يمكن تغييرها وهي الرغبة القاتلة في التجسس على الصديق والعدو!! وهو ما عانت منه كل الدول المتحالفة مع إسرائيل وعلى رأسها الولايات المتحدة التي تكتشف سنويًا جواسيس يهودًا يعملون داخلها لحساب إسرائيل.

التطبيع والتجسس:

وقد ثبت ثبوتًا قطعيًا أن سعي إسرائيل المحموم إلى تطبيع علاقاتها مع جيرانها العرب لا يهدف – كما تشيع- إلى العيش في سلام, بل يهدف إلى إعطاء عمليات التجسس واجهات ساترة من السفر السياحي, والعلاقات التجارية.

ففي مصر مثلاً, تم القبض على الجاسوس المصري عماد الدين عبد الحميد إسماعيل في نهاية عام 1996. وكان يعمل في مصنع يسمى مصنع سمير للملابس الداخلية (الفانيلات) بمدية العاشر من رمضان قرب القاهرة وهي مدينة صناعية. وهذا المصنع يملكه رجل قبطي مصري اسمه سمير رياض, وله شريك إسرائيل صاحب شركة (تفرون) الصهيونية.

وقد كشفت اعترافات عماد إسماعيل أمام جهات التحقيق المصرية أنه خلال سفره المتكرر لإسرائيل للتدريب في شركة ملابس, تعرف إلى فتاة إسرائيلية من أصل مصري مسيحي اسمها زهرة يوسف جرجس قامت بتجنيده عن طريق تصويره معها في أوضاع جنسية مخلة فاضحة, ثمَّ الضغط عليه بهذه الصور.

وأشهر جواسيس إسرائيل في مصر هو عزام عزام الذي طالب شارون مرارًا بالإفراج عنه. بل إن إسرائيل ألحت على الرئيس الأمريكي السابق بيل كلينتون أن يتوسط- أو يضغط على مصر للإفراج عنه لما لـه من أهمية.

وعزام هذا اسمه عزام مصعب عزام, وهو إسرائيلي من أصل عربي درزي. وكان ضابطًا بالجيش الإسرائيلي, وقد جاء إلى مصر تحت ستار العمل في نصع (كفرون) للنسيج كمدرب للعمال على أنواع حديثة من ماكينات النسيج.

وقد ألقي القبض على عزام عزام ليلة الأربعاء 6/11/1997 في فندق (البارون) بحي مصر الجديدة بالقاهرة بعد أن اعترف الجاسوس الذي أشرت إليه سابقًا (عماد إسماعيل) بأنه كان على اتصال بعزام بتعليمات من الفتاة التي جندته.

وقد حاول عزام أثناء التحقيق معه إنكار كل ما نسب إليه من تجسس, فلما ضيق المحققون الخناق عليه وواجهوه بعماد إسماعيل انهار واعترف بأنه يعمل في مصنع النسيج للتستر على عمله الحقيقي السري وهو التجسس!!

هذه الوقائع- وغيرها كثير- تؤكد أن التطبيع يمثل مناخًا رائعًا لأعمال التجسس, بل والتخريب المتمثل في نشر المخدرات, والأمراض الجنسية, ولعل من أبشع ما يتم تحت سقف التطبيع هو عمليات خطف الأطفال التي أشارت إليها مجلة (الشرطة) الإسرائيلية في عددها الصادر في 1/12/1977, ثمَّ بعد ذلك في عددها الصادر في 28/2/1997. حيث ذكرت أن طبيبًا يهوديًا يدعى "إبراهام مور" يشتري الحيوانات المنوية من شباب معروفين لـه في كل من مصر والأردن مقابل مبالغ مالية مغرية. ويستخدم هذه العينات في عيادته الطبية (7 شارع كلفن- تل أبيب) لتلقيح فتيات إسرائيليات صناعيًا. وبعد نشر هذه الفضيحة أصدرت وزارة الصحة الصهيونية قرارًا بمنع التلقيح الصناعي بحيوانات منوية عربية لتعارض ذلك مع الديانة اليهودية!!!

وفي السياق نفسه نشرت صحيفة (معاريف) يوم 3/2/1977 أن أكثر من 5000 طفل مسلم يعيشون في إسرائيل تم خطفهم أو سرقتهم من الدول المجاورة لإسرائيل ثمَّ تم تهويدهم!! وبلغة إخواننا خفاف الدم من أهل القاهرة (ادِّيها تطبيع .. تدِّيك جواسيس!!).

أفبعد ذلك كله: هل ما زال عند من يتحمسون للتطبيع حجة؟ أم أن حمرة الخجل هي الأخرى سرقها اليهود؟!!!!


mostafaragab@maktoob.com