السبت، 23 مايو 2009

مجرد توقيع

مجرد توقيع !!
د. مصطفى رجب

قرر الأطباء بالإجماع أن المرارة في حاجة إلى استئصال عاجل ، وشرعت إدارة المستشفى في اتخاذ إجراءات العملية الجراحية . إلا أن المفاجأة التي أذهلت الجميع أن المريض أبى أن يوقع إقراراً بالموافقة على إجراء الجراحة . اضطر مدير المستشفى للتدخل حين أعلموه بالموقف ، وكان رد فعله هو الضحك الحزين المشوب بعدم الفهم . فعلى مدى نصف ساعة من المناقشة مع المريض لم يستطع المدير فهم المسألة . . ربما كانت هذه أول مرة يواجه فيها مريضاً يرفض إجراء جراحة تحفظ له حياته ، أو هكذا يعتقد الأطباء . كانت حجج المريض قوية لدرجة أذهلت المدير فالمريض – كما قال – لا يشارك الأطباء تفاؤلهم بمستقبله الصحي ، لأن هذا المستقبل لا يهمهم في شيء ، وقد يختلف تفاؤلهم – أو تقل حدته – لو كان أحدهم هو المريض ، ومن جهة ثانية – يقول المريض – فإنه لا يشاركهم ثقتهم بأن استئصال المرارة عملية تقليدية لا ينتج عنها الموت إذا أجريت بنجاح . فالموت قد يأتي إلى الإنسان من عمليات أبسط من المرارة بكثير مثل لدغة العقرب مثلاً ، أو مجرد حادث دراجة بخارية في الشارع . ومن جهة ثالثة – ما زال المريض يقول – فإن التوقيع على إقرار بالموافقة على الجراحة ؛ إجراء روتيني إداري يعني أن إدارة المستشفى تفكر بعقلية إدارية وليس بعقلية مهنية . فهي تسعى إلى حماية أطبائها من العقاب والمحاكمة ، وفي هذا الإجراء ما فيه من الانتهازية واستغلال الإنسان – وهو في أضعف حالاته – بغية الحصول منه على تبرئة قاتليه في صورة وثيقة يوقعها تحت ضغط الألم . كما أن هذا الإجراء نفسه يمثل ضغطاً نفسياً على المريض وإشعاراً مسبقاً له بأنه قريب من النهاية مما يكون له أثره السلبي على ضغط الدم فيرتفع فجأة في لحظات قد تتزامن مع بدء الجراحة فتحدث الوفاة . ثم إن هذا الإجراء من الوجهة الشكلية البحتة ، سخيف فورثة المريض لن تكون لديهم فرصة – في حالة وفاته – للتأكد من صحة التوقيع فسوف ينصب كل جهدهم – إلى جانب البكاء إذا كان فقيداً عزيزاً – على إنهاء إجراءات تشريح الجثة ومعاينة النيابة تمهيداً لاستخراج ترخيص بالدفن يتسنى لهم بموجبه استخراج شهادة الوفاة الضرورية لصرف المعاش والمبلغ الذي يدفع كمصاريف للجنازة .
إن الإنسانية تقتضي – والكلام ما زال للمريض – أن يوقع الأطباء بأنفسهم هذا الإقرار بعيداً عن المريض ودون أن يشعر .
- ولكن هذا تزوير .
- بل مجرد نسف للروتين لن يترتب عليه إضرار بحقوق الغير .
- ومن الذي سيوقع الإقرار ؟
- طبيب التخدير .
- ولماذا طبيب التخدير بالذات ؟
- لأن مهمته في الحالتين واحدة : فدوره التاريخي هو تغطية الحقائق ، فكما أن واجبه المهني هو رفع الإحساس بالألم عن المريض فيجب أن يتسع هذا الدور ليشمل كافة أنواع الألم : الجسدي والنفسي . والإقرار يسبب بلا شك ألماً نفسياً شديداً .
- وإذا فرضنا أنه رفض توقيع الإقرار ؟
- توقعه سيادتك !
- أنا ؟ أنا مدير المستشفى .
- والإقرار إجراء إداري فهو من صميم اختصاصك . أليست مهمتك الوحيدة في الحياة هي التوقيع قبل وضع الختم على الأوراق . كل المديرين لا صلة لهم بالعمل الحقيقي في مؤسساتهم ، بل إن مهمتهم فقط تتمثل في تعويق العمل من خلال توقيعهم ، أوتوقفهم عن التوقيع على الأوراق التي لا يفهمونها .
- أنت خرجت عن آداب الحوار .
- بالعكس . أنت الذي خرجت عن آداب الحوار .
- كيف ؟
- أنت انتقلت إلى الهجوم الشخصي عليّ وتركت الموضوع الذي نتحاور فيه .
- ليس لدي وقت : هل ستوقع إقراراً بقبول إجراء العملية لك ؟
- ليس قبل أن نتفق على أهمية هذا الإقرار .
- قلت لك ليس لدي وقت .
- إذن وقع أنت الإقرار .
- حسناً ، سأوقع قراراً بخروجك فوراً من المستشفى .
- ما دام الأمر مجرد توقيع فلماذا لا توقع الإقرار بدلاً من القرار ؟
- لا داعي للفلسفة . تفضل اخرج .
- أنا مريض يا سيدي . . . .
خرج المدير بعصبية مكرراً الأمر بالخروج ولكن المريض لم يكترث بالصراخ . تجمع العاملون بالمستشفى حول المدير الذي ترنح على كرسيه إلى الوراء وطلب ماءً مثلجاً وقبل أن يؤتى له به ، راح في غيبوبة . مرت ساعة كان الأطباء خلالها يفحصون المدير فحصاً دقيقاً تبين لهم في نهايته أن مرارة المدير توشك على الانفجار ، وفي حاجة إلى جراحة عاجلة ، كان الأطباء يتحاورون بانفعال في كيفية التصرف ، سأل المريض بإلحاح : هل سيوقع المدير إقراراً بالموافقة على إجراء الجراحة لي أم له بعد أن يفيق من غيبوبته ؟

===================
Mostafaragab1999@yahoo.com

انتظار

انتظار
شعر / مصطفى رجب
"1" وكنت انتظرتك وجه النهار أغيب قليلا ً .. وأصحو قليلا وفي داخلي: بين ثلج ارتقابي ونار انتظارك ثار الشجار فأواه لو تعلمين وأواه لو تسبحين مع الدم في لحظة الانفجار فياليت كل التي واعدت عاشقاً جربت الانتظار ....!
"2" وكنت انتظرتك بالليل - مذبحة العاشقين! - طويلا.. طويلا فقال لي الليل: صفها لعلي آتيك منها. ببعض ابتساماتها قلت: يا ليل سل قال: ما طبعها؟ قلت: كالشمس دفئا وكالبحر موجاً غضوباً ولُجَّا وكالعطر إن ضاع بين القُبَلْ قال: ما لونها؟ قلت: لا أتذكر غير غيابي وغير انسيابي مع الشَّعْر في لفتة الجيد في لحظات الخجل قال لي: ما اسمها؟ قلت: من باح زل، ومن زل ضل!
"3" وصفتك لليل:
فَرْحًا وجُرْحًا وقدا ورمحا ونفحاً ولفحا وعينين للسحر ضخاختين وكفين بالدفء نضاختين وخصرا.. إذا رام بعض التثني يغني وصفتك بين الرضا والتجني وصفتك بين يقيني وظني وبين انتظاري وبين التمنى وشيئا فشيئا تسربْت بين دموعي وبيني فما عدت أعرف إن كنت أبكي أسى أم أغني!!

الجمعة، 22 مايو 2009

اللجنة العليا لتأليف اللجان




اللجنة العليا لتأليف اللجان !!
د. مصطفى رجب
كان الخبر الأول في صدر الصفحة الأولى من جريدة ( المصري اليوم ) بتاريخ 20/5/2009 يقول : [ كشفت مصادر رسمية أن اللجنة الوزارية لتطوير القمح تدرس اقتراحا قدمه خبراء، لتحويل دعم الخبز إلى دعم نقدى، على أن يباع الخبز بسعر إنتاجه وتكلفته الحقيقية، بهدف تحقيق الاكتفاء الذاتى من القمح ووقف استيراده. وأوضحت المصادر أن الاقتراح استند إلى دراسة، تضمنت أن إنتاج مصر من القمح سنويا يتجاوز ٨ ملايين طن، فى حين أن استهلاكها السنوى ١٦ مليونا، يتعرض نصفها على الأقل للإهدار بسبب الدعم العينى المباشر لرغيف الخبز، وأن استهلاك الشخص من الخبز يبلغ ١٩٠ كيلو سنويا ومعظمه يضيع إما علفا للحيوانات أو يلقى فى القمامة. وتقترح الدراسة أن يحصل كل مواطن على نصيبه من دعم الخبز «البالغ ١٧ مليار جنيه سنويا»، نقدا من خلال البطاقات التموينية، على أن يشترى المواطن الخبز بسعر إنتاجه.]
ومنذ عام أو أكثر كنت كتبت مقالا نشر هنا عنوانه ( المجلس الأعلى للمزلقانات ) ولم تكن التسمية من عندي بل كانت - حرفيا – من كلام حكومي نشرته جريدة أخبار اليوم يومها . وفي الخبر المنقول أعلاه ، وجدنا الحكومة ( تبتدع ) ما أسمته (اللجنة الوزارية لتطوير القمح ) !! والتي ستتولى – مؤفتا – مهام اللجنة العليا لتطوير البطاطا [ تحت التأسيس ] ومهام اللجنة العليا لتقوير الكوسة المنبثقة من المجلس الأعلى للخيار والفقوس – فرع الاتحاد العربي للصبر طيب - !!
وكانت الأستاذة منى الشاذلي قد خصصت إحدى حلقات برنامجها الناجح العاشرة مساء ، خلال الأسبوع السابق لنشر خبر المصري اليوم لمناقشة قضية استيراد القمح الفاسد ، واستغرب الحاضرون والمذيعة نفسها والمشاهدون جميعا – حتى حجازي نفسه ابن خالتي !! – ما قاله أحد مسؤولي الحكومة في البرنامج ، من أن الحكومة حتى عام 2005 كانت تستورد حاجتنا من القمح عبر مناقصات دولية شفافة ، تسمح بورود القمح وفحصه أولا ، ثم تسليم ثمنه بعد ذلك للمصدرين من الدول السبع المصدرة للقمح .
وفجأتم – كما ينطقها حجازي – نامت الحكومة فرأت فيما يرى النائم المكشوف أن جحا أولى بلحم ثوره ، فاستجابت لضغوط رجال الأعمال السوداء من المصريين ( أهمه ) الذين اقترحوا عليها أن تسلّفهم الفلوس ، ليستوردوا هم القمح بدلا من هيئة السلع الغذائية التابعة للحكومة التي ناط بها القانون استيراد السلع !!!!!!!!!!! ، ثم يقومون بتمريره عبر الحجر الصحي والحجر الزراعي ، ثم يوردونه هم للحكومة من الداخل !!!!!!!!!!!!!!!!
فإذا اعترض الحجر الزراعي أو الصحي فيتم تفويض الأمر لله تعالى !! ولا مسؤولية على من قاموا بالاستيراد بفلوسنا والتربح بتصدير القمح الفاسد إلينا . !!!
بعد إذاعة الحلقة والدهشة مما جاء فيها فوجئنا بأن هناك كيانا قانونيا حكوميا يسمى (اللجنة الوزارية لتطوير القمح ) إنا لله وإنا إليه راجعون !!!
ما الذي تفعله هذه اللجان ؟ وما الذي تقوم به وسياستنا الزراعية والتركيب المحصولي لزراعاتنا يتخبط بين الفراولة والكنتالوب ؟ ومن الذي لجَّن هذه اللجان العابثة ؟ و من الذي مجلس تلك المجالس العليا والوُطيا والتي بين بين ؟
وإلى أين تمضي بنا هذه المهازل ؟ بعد صفر الجامعات وصفر المونديال وهروب الحضري وخصخصة البصبصة وقصرها على القادرين فقط من أصحاب الملايين الذين يقتلون ويُقتلون لأسباب لا علاقة لها بالأذان الموحَّد ولا بشرق التفريعة ولا بتسريب الامتحانات؟
===========================
Mostafaragab1999@yahoo.com




الطوابير

وللطوابير فوائد أخرى !!
د. مصطفى رجب

هذا الشعب جحود كنود فظ نكّار للجميل ، تصنع الحكومة الصنيع تبتغي به إسعاده ، وإبهاجه، والتخفيف من معاناته ، والتسرية عنه ، فلا يقابل الصنيع الطيب إلا بسوء النية ، وخبث الطوية ، والرد الخشن العنيف ( كالإضراب والاعتصام والتظاهر ) وهذا النوع من الردود لا يلائم حكومةً ( فافي ) :
يكاد رقيق الماء يخدش جلدها
إذا اغتسلت بالماء من رقة الجلد
ولو لبست ثوبا من الورد ناعما
سيشكو إليها الجسم من ثقل الورد
ولو تأمل هذا الشعب - الفظ الغليظ القلب - وزراء هذه الحكومة وهم يتحدثون إلى المذيعات البيض الحسان اللواتي يذبن تكسرا ، ويتمايلن تأنثا وتلاعبا ، لرأى كيف ينافس وزراء الحكومة أولئكن المذيعات في حلاوتهن ورقتهن وعذوبة نطقهن ، أفهذه الرقة والنعومة التي نراها في وزرائنا يصح أن تقابل بهذا العنف العنيف وتلك الشدة الشديدة والقسوة القاسية التي يظهر بها المتظاهرون والمحتجون والمضربون؟
إن الطوابير سبيل من سبل تربية الشعب وتهذيبه ، فهي في واقعها:
1- تحسّن الأخلاق وترتقي بها لاسيما إذا كانت كثيفة متلاصقة .
2- تعوّد ( المتطابرين ) الصبر والثبات .
3- تنشط الدورة الدموية.
4- تقوي الساقين لمن ألفوا السكون وكرهوا التريض .
5- تشيع جوا من السعادة والمرح بما يند عن أصحابها بين الفينة والفينة من نكات وتعليقات .
6- تفتح آفاقا واسعة للحوار الوطني الديمقراطي بدلا من المقاهي .
7- تقدم فرصا متجددة للتعارف وتوليد صداقات جديدة .
8- توفر فرصا للسيدات لتبادل الخبرات في شؤونهن كافة ..!
9- توفر المال الذي سينفق – في وقت الفراغ – على المقاهي والسيبرات والكافيهات
ولا أشك في أن القراء الكرام سيضيفون مزايا عديدة للطوابير ، لم أذكرها . وبخاصة أولئك الذين ذاقوا حلاوتها ، و.." من ذاق عرف " كما يقول الصوفية . فأنا لا أصدق ما تشيعه الصحافة المستقلة الجاحدة الحاقدة من أن في مصر طوابير بهذه الشناعة التي يصفون ، فمسكني بالقاهرة يقع في تلك "المنطقة الخضراء" الهادئة الرومانسية الساحرة التي تفصل بين منطقة الوايلي الكبير،ومنطقة الزاوية الحمراء ،وصحيح أنني لا أقيم هناك إلا يومين أول الشهر ويومين آخره ، ولكنني لم أر على وجوه أولئك الوايليين والزاويين الحمر ، إلا سعادة ورضا وابتهاجا ، ولم أر منذ سكنت في تلك المنطقة طابور خبز واحدا ، ولا طابور أنابيب غاز ، ولا طابور دفع فواتير ، ولا طابورا على (مبولة) ، [ فالمنطقة لا شيء فيها من ذلك كله] ولم أر على وجوه الشعب إلا الضحك المتصل والسعادة الخانقة بهذه الحكومة الرائقة ، فكثيرا ما يصادفني مواطن يسير وهو يحدث نفسه بعصبية ، فهل يقول أحد إلا أن هذا الرجل يحادث زوجته بما لم يستطع أن يحادثها به وهما في البيت؟
وأحيانا أرى رجلا يسير عاريا أو يفترش الطريق عاريا ، فهل يقول أحد بعد ذلك إن الحكومة تضيق ذرعا باللبراليين ودعاة التحرر وتفرض عليهم قيودا ؟ أفليس في مسلك هذا الرجل دليل على سعة صدر الحكومة وبطنها وقفاها ؟ وأحيانا أرى رجلا يضحك بشدة وهو ينظر إلى الأفق السرمدي البعيد ، أفيقول أحد إن هذا الرجل يعاني من الطوابير؟
ومع ذلك كله فإن الحكومة رحيمة بشعبها على ما فيه من جفوة وغلظة كبد ، فهي لم تستصدر له – حتى الآن – فتوى من دار الإفتاء بأن الطوابير حرام ، وأن الخبز نفسه مكروه لمن استطاع إلى الصوم سبيلا ، ومن لم يستطع فعليه بالبسبوسة فمن لم يجد فعليه بالكورن فليكس فمن لم يجد فعليه بالفينو ، وهي – حتى الآن – لم تحل أوراق شعبها للمجمع ولا للمجلس القومي للمرأة ولا للمجلس الأعلى للمزلقانات ، وما تزال تنتظر أن يثوب هذا الشعب الأنكد إلى رشده فيقر لها بما تفعل فيه من إنجازات !! فمن أين تأتي المعارضة الشرسة القاسية بكل هذه الافتراءات ؟ لا أدري ..!!
والطابور- في اللغة – لفظ تركي على وزن فاعول مثل شاكوش وناقور وخازوق ، وهو وزن لا تعرفه الفصحى إلا من أوزان اسم الآلة غالبا ، وهذا يؤكد ما ذهبت إليه من أن الطابور آلة من آلات الترفيه التي استحدثتها الحكومات للتسرية عن الناس .فإذا جمعت لشعوبها – بجانب الطوابير – وجوها سمحة ناعمة رقيقة هادئة لحد البله ووزعتهم على شاشاتها ليل نهار، يكذبون ويضحكون ، ويسرون عن الناس ، بما يقولون وما يفعلون ، فماذا تفعل أكثر من ذلك لهذا الشعب الكنود؟
====================
Mostafaragab1@gawab.com
==============