السبت، 4 يوليو 2009

إذا قالت مشيرة صدقوها ...!! ـ د. مصطفى رجب

د. مصطفى رجب (المصريون) : بتاريخ 3 - 7 - 2009
قالت السفيرة الوزيرة الأسبوع الماضي فيما نشرت الصحف ( احنا دلعنا المواطن أكتر من اللازم ) أو ( احنا بندلع المواطنؤ.....) أو كما قالت .. ، لافض فوها و تب َّ شانئوها. والدلع لا يعرفه لسان العرب ولكنه معروف في لسان بني همبكة وبني بَكَش وهما بطنان من بطون بني أونطة الذين سكنوا ضفاف النيل ، زمن الرومان ، وبقيت فلول منهم تقطن نواحي الفسطاط حتى قيل إن بعضهم شهد التعديلات الدستورية ، وقد تكون هذه مبالغة من المؤرخين ، إلا أن المحقق أن منهم من عاش في عصر الرزاز ، فقد عثر باحثون على مخطوطات لبعضهم بها وصف فاحش مبتذل لابتسامة عاطف عبيد ، وهو يمارس الخصخصة في وضح النهار .
وعند ابن سلام يدل لفظ ( الدلع ) على ما كانت تقوم به حكومات سلفت ، من حوار ديموقراطي مع مواطنيها ، كأن تبيعهم علاجا مغشوشا لأمراض السكر والضغط ، أو تستورد لهم دماء الخنازير ودماء السحالي ودماء الحمير ، لئلا يلجأ المواطن إلى بنوك الدم في المشافي فيجدها فارغة ، ويضيع وقته في البحث عن متبرع .
ومن ( تدليع ) الحكومات لمواطنيها أن تقطع عن بيوتهم الكهرباء ليلا ، وتضيئ لهم الشوارع نهارا ، لتيسر للجان التفتيش المرورية أعمالها .
ومن ( تدليع ) الحكومات لمواطنيها أن تتركهم يضّيعون أوقاتهم الثمينة أمام المخابز بحثا عن بضعة أرغفة ، مع أنهم يعلمون – كما تعلم الحكومة – ان ابن آدم ما ملأ وعاء شرّا من بطنه !! ، وأن المعدة بيت الداء . ولو كانت الحكومة قاسية لمنعت تلك الطوابير ولردَّت أولئك العابثين ردا عنيفا إلى بيوتهم ليتابعوا جلسات مجلسي الشعب والشورى ، أو إلى دواوينهم لينجزوا مصالح العباد . ولكنها تتركهم يمرحون ويمزحون حد الاقتتال أمام المخابز ، من باب الدلع البحت !!
ومن ( تدليع ) الحكومات لمواطنيها أن تتركهم بلا مياه في بعض قرى الدلتا ، يشترون الماء في جرادل ، فتتكون لديهم ثروات طائلة من بيع الماء وشرائه ، ثروات طائلة هائلة تتعالى أرقامها كل يوم لا تخضع لأي شريحة من شرائح الضرائب ، ولو أدخلت لهم الحكومة الماء في بيوتهم لتعالى صياحهم وتكاثرت شكواهم من أن تلك المياه بها طين ومسامير وديدان ولا تصلح للشرب ، فهي ( تدلعهم ) مرتين : مرة بإتاحة الحرية لهم ليختاروا نوعية المياه التي يشربون ، ومرة بعدم إخضاع عمليات بيع جراكن المياه للضرائب ...!!!
ومن ( تدليع ) الحكومات لمواطنيها أن تتركهم يمارسون الرياضة بمنتهى الحرية في غير الملاعب المخصصة للرياضة ، فالحكومة تغض الطرف – مشكورة !! – عن هؤلاء الآلاف الذين يمارسون رياضة الجري والقفز – خلف الباصات الكبرى والصغرى – في الشوارع التي لم تُجعل للجري والقفز وإنما جُعلت للمشي الوقور المتزن وللناس والدواب .
ومن ( تدليع ) الحكومات لمواطنيها أن تتركهم يرّكبون الأطباق الهوائية فوق أسطح البيوت دون أن تفرض عليهم ضرائب على هذه الأطباق التي تضر بصحتهم البدنية بالسهر ، وتضر بصحتهم النفسية حين يرون الدنيا كلها تتأخر في استرخاء ممتع لذيذ ، بينما نحن ( بلدنا بتتقدم بينا ) والعياذ بالله !!!
ومن ( تدليع ) الحكومات لمواطنيها أن تتركهم يعبرون في صناديق الانتخابات عما يحبون بمنتهى الحرية والتسامح ، ثم تقرر لهم ما فيه مصلحتهم التي يضلون عنها وهم غافلون.
فرفقا بحكومتكم أيها المفترون
وتوبوا من هذا التنكر لمعروفها لعلكم ترشدون
وإلا ...
فكل سنة وأنتم طيبون
=======================
Mostafaragab1999@yahoo.com


السبت، 27 يونيو 2009

أهمية أن تكون عبيطاً!!!!!!!!

قد ينكر علينا المتسرعون من القراء هذا العنوان ، وقد يصرفهم هذا العنوان صرفا عن المضي في القراءة ، فقد عوَّدتهم الصحف الحكومية على السهل من القول ، فهي تحدثهم مرة عن ( طشة الملوخية ) كما فعلت أخبار اليوم ، وتصف لهم مرة لحم البعارير ( صغار الإبل ) على مائدة ملك السعودية كما فعلت مرة جريدة الجمهورية .
أما هذه العناوين التي تظهر في الصحف غير الحكومية فهي من الغريب من القول ، الذي يتطلب من قارئه صبرا ومثابرة إلى آخر المقال ، وقد يكلفه المقال عنتا حين يضطره اضطرارا إلى تشغيل عقله الذي يركن – بحكم العادة وبحكم قانون الجهد الأقل – إلى الدعة والاسترخاء ، والتمتع باللون ( البمبي ) الذي يغلب على سطور صحف الحكومة ، ويشيع على ألسنة قارئي نشرات أخبارها المذاعة والمتلفزة .
فأن يكون المرء عبيطا مما لا يستسيغ عاقل قبوله ، وبخاصة أن أحدا من الناس – حتى أولئك الذين يشجعون الحكومة – لا يروق له أن يتخيل إمكانية أن يكون عبيطا ، مع أن واقع الحال أنه ( مقلب ) عبط عظيم !! إذ كيف يشجع الحكومة وهو يراها تحكم الناس كما لو كانوا قطعانا من الغنم ، وتفتك بهم كما لو كانوا أسرابا من الصراصير ، وتلعنهم آناء الليل وأطراف النهار كما لو كانوا فريقا من الأعداء ؟
أنا شخصيا معجب بالحكومة أشد الإعجاب ، وتجمعني معها في المنام أحلام شديدة الإحراج لو بحت بها لأرسلوني في زورق أطلب الرزق في إيطاليا ، ومع هذا فأنا لا أرفض أن أوصف بأنني عبيط .
وإليكم الأدلة :
- في 22 أبريل 1980 وبالتحديد في تمام الساعة العاشرة والدقيقة الثانية والعشرين ، وبينما كان عم عبده قد شرع رسميا في استقبال ضيوفه على عربة الكشري الفاسد المتحركة ، دلفت – بقدميَّ هاتين – إلى لجنة الاستفتاء وقلت ( لا ) للتعديلات الدستورية التي طلب رأينا فيها الرئيس المؤمن رحمه الله وكانت تتلخص في أربع مواد مقترح تعديلها وإضافتها ، وقال (لا) مثلي كثيرون أعرفهم ، وحين ظهرت النتائج التفصيلية في اليوم التالي تبين أن أكثر من صوَّتوا في مركز طهطا قالوا : نعم ، وأقلية قليلة جدا هي التي قالت ( نعمين ) !! ولكن لا أحد في بلدنا قال ( لا ) فقد تم إعلان الموافقة بنسبة مائة في المائة ، من يومها وأنا أضحك من نفسي ، وأتعجب كيف قمت بالتصويت في جزر القمر وأنا أظن أنني صوَّت في طهطا ؟ !!
- حين كنت أُدعى من مسؤولين بالتربية والتعليم للمشاركة في لقاءات مع وزير التربية تتم بالدوائر الصوتية المرئية ( الفيديو كونفرنس ) كنت أرى كيف يتم الاجتهاد العنيف في التنظيم والترتيب لتبدو الصورة أمام معاليه ( حلوة !!) ومع ذلك كنت أضبط نفسي بين الحين والآخر متحدثا عن هذه اللقاءات كما لو كانت لونا حقيقيا من ألوان الحوار الحقيقي في شؤون التعليم !! وأنا أرى في مدارس القرى والمدن في الصعيد ما يستحيل تخيله على أي نفس سوية ، مما لا يمكن يالطبع أن يصل إلى سمع ولا بصر معاليه ، ومعاونيه ، ومشابهيه ممن يكموننا من 6 أكتوبر بالدوائر المغلقو فيما نحن نعيش في 66 أبريل في دوائر مفتوحة من القهر والفقر والعوز . ثم نطالب بأن نحمد للحكومة ما تفعله فينا وبنا تحت دعوى التحديث والتطوير . فماذا يسمى هذا إن لم يكن عبطا أو لبطا ؟
- حين سقطت دورة مياه قطار من قطارات الصعيد بسيدة وطفلها ففرمتها عجلات القطار ، صرح سليمان متولي بأن الأحوال ستنصلح ، وبعد أن ترك الوزارة احترق قطار بخمسمائة من ركابه تفحمت جثثهم ليلة العيد الكبير في فبراير 2003 وظهر عاطف عبيد مبتسما وحمَّل ( القتلى ) كما وصفهم مسؤولية احتراق القطار ببابور جاز فيما زعم ، ولكن الوزير المختص حينذاك لم يعجبه ما حدث وحقق مع رئيس هيئة السكك الحديدية الذي تبين من التحقيقات – فيما نُشر – أنه يتقاضى شهريا مائة وثمانين ألف جنيه راتبا وحوافز ومكافآت .[ اللهم لا حسد ولكن ...حقد طبقي !! ] وقد انتهت التحقيقات إلى ترفيع رئيس الخيئة هذا إلى وظيفة أعلى عائدا بالوزارة ، وتم مجازاة أربعة محولجية وثلاثة عمال وسائقين تحت التمرين بخصم الحوافز منهم ومنعهم من تناول الشيبسي لمدة 6 شهور نتيجة تسببهم في احتراق جثث خمسمائة فقير من فقراء الصعيد . وهي العقوبة الرادعة التي كنا نود أن تُوقَّق على ممدوح اسماعيل ...!! ومع ذلك كله صدَّقنا ما قيل بعدها من نية الحكومة في تحسين الخدمة والذي تحقق فعليا حين وضعوا على باب محطة مصر أجهزة إنذار لا تعمل ، يجلس حولها جنود نائمون ، وحين صدر قرار بتحصيل 150 قرشا من كل من يذهب لتوديع عجوز أو معوق يريد ركوب القطار !!!
- أذيع في برنامج (48) ساعة على قناة المحور مساء الخميس 25/6/2009 افتكاسة حكومية فذة نسبوها للدكتور أحمد درويش وزير التنمية الإدارية الذي اقترح حلا عبقريا لازدحام القاهرة يتمثل في أن يؤدي الموظفون أعمالهم من منازلهم !! غير أن عَبَط الموظفين جعلهم يتهكمون على هذه الافتكاسة الجهنمية ، طبقا لما جاء في التقرير الذي عرضته القناة ، ولو صدَّقوا معاليه ونفذوا اقتراحه لأراحوا واستراحوا من التكدس في الباصات ، ولأصبحت القاهرة جنة الدنيا هدوءا وسكينة ولأتاح هذا فرصا أفضل لزيادة النسل ، ولتحسنت قدرات ربات البيوت في الطبخ والكيّ وسواهما من الشؤون المنزلية !! فبإمكان السيدة الموظفة أن ترد على استفسارات المصلحة بالمحمول بينما هي منهمكة في إعداد ( طشة الملوخية ) التي تقض مضجع أخينا القط ، كما يمكنها أن تفاكس عملاءها أو تتأميل معهم [ أي تنهي لهم معاملاتهم بالفاكس والإي ميل ] وهي تعجن أو تخبز أوتشوي أو تكوي أو حتى وهي تُرضع – بضم التاء - . كما يمكن للموظف أن يراجع أوراق عملائه وهو مستلق على سريره الوثير يتابع المباريات ، أو يراجعها في المطبخ وهو يغسل الأطباق . على أن الأزمة الحقيقية ليست خلو منازل موظفي مصر الغلابة من الفاكسات والحواسيب ، وليست جهلهم باستعمالها ، وإنما الأزمة الحقيقية تتمثل في كيفية وصول الرشوة إلى الموظفين في منازلهم ، فالوزير نفسه قال يومئذ ( إن الموظف المصري يتلقى الرشوة ويحرص على صلاة الجماعة !! ) وهو قول غريب لا نستطيع قبوله إلا بكثير من العَبَط ، إذ كيف يشكو وزير من أن مرؤوسيه يرتشون ولا يفصلهم ؟
ألم أقل لكم إن من الأهمية بمكان أن تكون عبيطا في هذا الزمن مع هذه الحكومة الذكية؟
mostafaragab@maktoob.com


السبت، 23 مايو 2009

مجرد توقيع

مجرد توقيع !!
د. مصطفى رجب

قرر الأطباء بالإجماع أن المرارة في حاجة إلى استئصال عاجل ، وشرعت إدارة المستشفى في اتخاذ إجراءات العملية الجراحية . إلا أن المفاجأة التي أذهلت الجميع أن المريض أبى أن يوقع إقراراً بالموافقة على إجراء الجراحة . اضطر مدير المستشفى للتدخل حين أعلموه بالموقف ، وكان رد فعله هو الضحك الحزين المشوب بعدم الفهم . فعلى مدى نصف ساعة من المناقشة مع المريض لم يستطع المدير فهم المسألة . . ربما كانت هذه أول مرة يواجه فيها مريضاً يرفض إجراء جراحة تحفظ له حياته ، أو هكذا يعتقد الأطباء . كانت حجج المريض قوية لدرجة أذهلت المدير فالمريض – كما قال – لا يشارك الأطباء تفاؤلهم بمستقبله الصحي ، لأن هذا المستقبل لا يهمهم في شيء ، وقد يختلف تفاؤلهم – أو تقل حدته – لو كان أحدهم هو المريض ، ومن جهة ثانية – يقول المريض – فإنه لا يشاركهم ثقتهم بأن استئصال المرارة عملية تقليدية لا ينتج عنها الموت إذا أجريت بنجاح . فالموت قد يأتي إلى الإنسان من عمليات أبسط من المرارة بكثير مثل لدغة العقرب مثلاً ، أو مجرد حادث دراجة بخارية في الشارع . ومن جهة ثالثة – ما زال المريض يقول – فإن التوقيع على إقرار بالموافقة على الجراحة ؛ إجراء روتيني إداري يعني أن إدارة المستشفى تفكر بعقلية إدارية وليس بعقلية مهنية . فهي تسعى إلى حماية أطبائها من العقاب والمحاكمة ، وفي هذا الإجراء ما فيه من الانتهازية واستغلال الإنسان – وهو في أضعف حالاته – بغية الحصول منه على تبرئة قاتليه في صورة وثيقة يوقعها تحت ضغط الألم . كما أن هذا الإجراء نفسه يمثل ضغطاً نفسياً على المريض وإشعاراً مسبقاً له بأنه قريب من النهاية مما يكون له أثره السلبي على ضغط الدم فيرتفع فجأة في لحظات قد تتزامن مع بدء الجراحة فتحدث الوفاة . ثم إن هذا الإجراء من الوجهة الشكلية البحتة ، سخيف فورثة المريض لن تكون لديهم فرصة – في حالة وفاته – للتأكد من صحة التوقيع فسوف ينصب كل جهدهم – إلى جانب البكاء إذا كان فقيداً عزيزاً – على إنهاء إجراءات تشريح الجثة ومعاينة النيابة تمهيداً لاستخراج ترخيص بالدفن يتسنى لهم بموجبه استخراج شهادة الوفاة الضرورية لصرف المعاش والمبلغ الذي يدفع كمصاريف للجنازة .
إن الإنسانية تقتضي – والكلام ما زال للمريض – أن يوقع الأطباء بأنفسهم هذا الإقرار بعيداً عن المريض ودون أن يشعر .
- ولكن هذا تزوير .
- بل مجرد نسف للروتين لن يترتب عليه إضرار بحقوق الغير .
- ومن الذي سيوقع الإقرار ؟
- طبيب التخدير .
- ولماذا طبيب التخدير بالذات ؟
- لأن مهمته في الحالتين واحدة : فدوره التاريخي هو تغطية الحقائق ، فكما أن واجبه المهني هو رفع الإحساس بالألم عن المريض فيجب أن يتسع هذا الدور ليشمل كافة أنواع الألم : الجسدي والنفسي . والإقرار يسبب بلا شك ألماً نفسياً شديداً .
- وإذا فرضنا أنه رفض توقيع الإقرار ؟
- توقعه سيادتك !
- أنا ؟ أنا مدير المستشفى .
- والإقرار إجراء إداري فهو من صميم اختصاصك . أليست مهمتك الوحيدة في الحياة هي التوقيع قبل وضع الختم على الأوراق . كل المديرين لا صلة لهم بالعمل الحقيقي في مؤسساتهم ، بل إن مهمتهم فقط تتمثل في تعويق العمل من خلال توقيعهم ، أوتوقفهم عن التوقيع على الأوراق التي لا يفهمونها .
- أنت خرجت عن آداب الحوار .
- بالعكس . أنت الذي خرجت عن آداب الحوار .
- كيف ؟
- أنت انتقلت إلى الهجوم الشخصي عليّ وتركت الموضوع الذي نتحاور فيه .
- ليس لدي وقت : هل ستوقع إقراراً بقبول إجراء العملية لك ؟
- ليس قبل أن نتفق على أهمية هذا الإقرار .
- قلت لك ليس لدي وقت .
- إذن وقع أنت الإقرار .
- حسناً ، سأوقع قراراً بخروجك فوراً من المستشفى .
- ما دام الأمر مجرد توقيع فلماذا لا توقع الإقرار بدلاً من القرار ؟
- لا داعي للفلسفة . تفضل اخرج .
- أنا مريض يا سيدي . . . .
خرج المدير بعصبية مكرراً الأمر بالخروج ولكن المريض لم يكترث بالصراخ . تجمع العاملون بالمستشفى حول المدير الذي ترنح على كرسيه إلى الوراء وطلب ماءً مثلجاً وقبل أن يؤتى له به ، راح في غيبوبة . مرت ساعة كان الأطباء خلالها يفحصون المدير فحصاً دقيقاً تبين لهم في نهايته أن مرارة المدير توشك على الانفجار ، وفي حاجة إلى جراحة عاجلة ، كان الأطباء يتحاورون بانفعال في كيفية التصرف ، سأل المريض بإلحاح : هل سيوقع المدير إقراراً بالموافقة على إجراء الجراحة لي أم له بعد أن يفيق من غيبوبته ؟

===================
Mostafaragab1999@yahoo.com

انتظار

انتظار
شعر / مصطفى رجب
"1" وكنت انتظرتك وجه النهار أغيب قليلا ً .. وأصحو قليلا وفي داخلي: بين ثلج ارتقابي ونار انتظارك ثار الشجار فأواه لو تعلمين وأواه لو تسبحين مع الدم في لحظة الانفجار فياليت كل التي واعدت عاشقاً جربت الانتظار ....!
"2" وكنت انتظرتك بالليل - مذبحة العاشقين! - طويلا.. طويلا فقال لي الليل: صفها لعلي آتيك منها. ببعض ابتساماتها قلت: يا ليل سل قال: ما طبعها؟ قلت: كالشمس دفئا وكالبحر موجاً غضوباً ولُجَّا وكالعطر إن ضاع بين القُبَلْ قال: ما لونها؟ قلت: لا أتذكر غير غيابي وغير انسيابي مع الشَّعْر في لفتة الجيد في لحظات الخجل قال لي: ما اسمها؟ قلت: من باح زل، ومن زل ضل!
"3" وصفتك لليل:
فَرْحًا وجُرْحًا وقدا ورمحا ونفحاً ولفحا وعينين للسحر ضخاختين وكفين بالدفء نضاختين وخصرا.. إذا رام بعض التثني يغني وصفتك بين الرضا والتجني وصفتك بين يقيني وظني وبين انتظاري وبين التمنى وشيئا فشيئا تسربْت بين دموعي وبيني فما عدت أعرف إن كنت أبكي أسى أم أغني!!

الجمعة، 22 مايو 2009

اللجنة العليا لتأليف اللجان




اللجنة العليا لتأليف اللجان !!
د. مصطفى رجب
كان الخبر الأول في صدر الصفحة الأولى من جريدة ( المصري اليوم ) بتاريخ 20/5/2009 يقول : [ كشفت مصادر رسمية أن اللجنة الوزارية لتطوير القمح تدرس اقتراحا قدمه خبراء، لتحويل دعم الخبز إلى دعم نقدى، على أن يباع الخبز بسعر إنتاجه وتكلفته الحقيقية، بهدف تحقيق الاكتفاء الذاتى من القمح ووقف استيراده. وأوضحت المصادر أن الاقتراح استند إلى دراسة، تضمنت أن إنتاج مصر من القمح سنويا يتجاوز ٨ ملايين طن، فى حين أن استهلاكها السنوى ١٦ مليونا، يتعرض نصفها على الأقل للإهدار بسبب الدعم العينى المباشر لرغيف الخبز، وأن استهلاك الشخص من الخبز يبلغ ١٩٠ كيلو سنويا ومعظمه يضيع إما علفا للحيوانات أو يلقى فى القمامة. وتقترح الدراسة أن يحصل كل مواطن على نصيبه من دعم الخبز «البالغ ١٧ مليار جنيه سنويا»، نقدا من خلال البطاقات التموينية، على أن يشترى المواطن الخبز بسعر إنتاجه.]
ومنذ عام أو أكثر كنت كتبت مقالا نشر هنا عنوانه ( المجلس الأعلى للمزلقانات ) ولم تكن التسمية من عندي بل كانت - حرفيا – من كلام حكومي نشرته جريدة أخبار اليوم يومها . وفي الخبر المنقول أعلاه ، وجدنا الحكومة ( تبتدع ) ما أسمته (اللجنة الوزارية لتطوير القمح ) !! والتي ستتولى – مؤفتا – مهام اللجنة العليا لتطوير البطاطا [ تحت التأسيس ] ومهام اللجنة العليا لتقوير الكوسة المنبثقة من المجلس الأعلى للخيار والفقوس – فرع الاتحاد العربي للصبر طيب - !!
وكانت الأستاذة منى الشاذلي قد خصصت إحدى حلقات برنامجها الناجح العاشرة مساء ، خلال الأسبوع السابق لنشر خبر المصري اليوم لمناقشة قضية استيراد القمح الفاسد ، واستغرب الحاضرون والمذيعة نفسها والمشاهدون جميعا – حتى حجازي نفسه ابن خالتي !! – ما قاله أحد مسؤولي الحكومة في البرنامج ، من أن الحكومة حتى عام 2005 كانت تستورد حاجتنا من القمح عبر مناقصات دولية شفافة ، تسمح بورود القمح وفحصه أولا ، ثم تسليم ثمنه بعد ذلك للمصدرين من الدول السبع المصدرة للقمح .
وفجأتم – كما ينطقها حجازي – نامت الحكومة فرأت فيما يرى النائم المكشوف أن جحا أولى بلحم ثوره ، فاستجابت لضغوط رجال الأعمال السوداء من المصريين ( أهمه ) الذين اقترحوا عليها أن تسلّفهم الفلوس ، ليستوردوا هم القمح بدلا من هيئة السلع الغذائية التابعة للحكومة التي ناط بها القانون استيراد السلع !!!!!!!!!!! ، ثم يقومون بتمريره عبر الحجر الصحي والحجر الزراعي ، ثم يوردونه هم للحكومة من الداخل !!!!!!!!!!!!!!!!
فإذا اعترض الحجر الزراعي أو الصحي فيتم تفويض الأمر لله تعالى !! ولا مسؤولية على من قاموا بالاستيراد بفلوسنا والتربح بتصدير القمح الفاسد إلينا . !!!
بعد إذاعة الحلقة والدهشة مما جاء فيها فوجئنا بأن هناك كيانا قانونيا حكوميا يسمى (اللجنة الوزارية لتطوير القمح ) إنا لله وإنا إليه راجعون !!!
ما الذي تفعله هذه اللجان ؟ وما الذي تقوم به وسياستنا الزراعية والتركيب المحصولي لزراعاتنا يتخبط بين الفراولة والكنتالوب ؟ ومن الذي لجَّن هذه اللجان العابثة ؟ و من الذي مجلس تلك المجالس العليا والوُطيا والتي بين بين ؟
وإلى أين تمضي بنا هذه المهازل ؟ بعد صفر الجامعات وصفر المونديال وهروب الحضري وخصخصة البصبصة وقصرها على القادرين فقط من أصحاب الملايين الذين يقتلون ويُقتلون لأسباب لا علاقة لها بالأذان الموحَّد ولا بشرق التفريعة ولا بتسريب الامتحانات؟
===========================
Mostafaragab1999@yahoo.com




الطوابير

وللطوابير فوائد أخرى !!
د. مصطفى رجب

هذا الشعب جحود كنود فظ نكّار للجميل ، تصنع الحكومة الصنيع تبتغي به إسعاده ، وإبهاجه، والتخفيف من معاناته ، والتسرية عنه ، فلا يقابل الصنيع الطيب إلا بسوء النية ، وخبث الطوية ، والرد الخشن العنيف ( كالإضراب والاعتصام والتظاهر ) وهذا النوع من الردود لا يلائم حكومةً ( فافي ) :
يكاد رقيق الماء يخدش جلدها
إذا اغتسلت بالماء من رقة الجلد
ولو لبست ثوبا من الورد ناعما
سيشكو إليها الجسم من ثقل الورد
ولو تأمل هذا الشعب - الفظ الغليظ القلب - وزراء هذه الحكومة وهم يتحدثون إلى المذيعات البيض الحسان اللواتي يذبن تكسرا ، ويتمايلن تأنثا وتلاعبا ، لرأى كيف ينافس وزراء الحكومة أولئكن المذيعات في حلاوتهن ورقتهن وعذوبة نطقهن ، أفهذه الرقة والنعومة التي نراها في وزرائنا يصح أن تقابل بهذا العنف العنيف وتلك الشدة الشديدة والقسوة القاسية التي يظهر بها المتظاهرون والمحتجون والمضربون؟
إن الطوابير سبيل من سبل تربية الشعب وتهذيبه ، فهي في واقعها:
1- تحسّن الأخلاق وترتقي بها لاسيما إذا كانت كثيفة متلاصقة .
2- تعوّد ( المتطابرين ) الصبر والثبات .
3- تنشط الدورة الدموية.
4- تقوي الساقين لمن ألفوا السكون وكرهوا التريض .
5- تشيع جوا من السعادة والمرح بما يند عن أصحابها بين الفينة والفينة من نكات وتعليقات .
6- تفتح آفاقا واسعة للحوار الوطني الديمقراطي بدلا من المقاهي .
7- تقدم فرصا متجددة للتعارف وتوليد صداقات جديدة .
8- توفر فرصا للسيدات لتبادل الخبرات في شؤونهن كافة ..!
9- توفر المال الذي سينفق – في وقت الفراغ – على المقاهي والسيبرات والكافيهات
ولا أشك في أن القراء الكرام سيضيفون مزايا عديدة للطوابير ، لم أذكرها . وبخاصة أولئك الذين ذاقوا حلاوتها ، و.." من ذاق عرف " كما يقول الصوفية . فأنا لا أصدق ما تشيعه الصحافة المستقلة الجاحدة الحاقدة من أن في مصر طوابير بهذه الشناعة التي يصفون ، فمسكني بالقاهرة يقع في تلك "المنطقة الخضراء" الهادئة الرومانسية الساحرة التي تفصل بين منطقة الوايلي الكبير،ومنطقة الزاوية الحمراء ،وصحيح أنني لا أقيم هناك إلا يومين أول الشهر ويومين آخره ، ولكنني لم أر على وجوه أولئك الوايليين والزاويين الحمر ، إلا سعادة ورضا وابتهاجا ، ولم أر منذ سكنت في تلك المنطقة طابور خبز واحدا ، ولا طابور أنابيب غاز ، ولا طابور دفع فواتير ، ولا طابورا على (مبولة) ، [ فالمنطقة لا شيء فيها من ذلك كله] ولم أر على وجوه الشعب إلا الضحك المتصل والسعادة الخانقة بهذه الحكومة الرائقة ، فكثيرا ما يصادفني مواطن يسير وهو يحدث نفسه بعصبية ، فهل يقول أحد إلا أن هذا الرجل يحادث زوجته بما لم يستطع أن يحادثها به وهما في البيت؟
وأحيانا أرى رجلا يسير عاريا أو يفترش الطريق عاريا ، فهل يقول أحد بعد ذلك إن الحكومة تضيق ذرعا باللبراليين ودعاة التحرر وتفرض عليهم قيودا ؟ أفليس في مسلك هذا الرجل دليل على سعة صدر الحكومة وبطنها وقفاها ؟ وأحيانا أرى رجلا يضحك بشدة وهو ينظر إلى الأفق السرمدي البعيد ، أفيقول أحد إن هذا الرجل يعاني من الطوابير؟
ومع ذلك كله فإن الحكومة رحيمة بشعبها على ما فيه من جفوة وغلظة كبد ، فهي لم تستصدر له – حتى الآن – فتوى من دار الإفتاء بأن الطوابير حرام ، وأن الخبز نفسه مكروه لمن استطاع إلى الصوم سبيلا ، ومن لم يستطع فعليه بالبسبوسة فمن لم يجد فعليه بالكورن فليكس فمن لم يجد فعليه بالفينو ، وهي – حتى الآن – لم تحل أوراق شعبها للمجمع ولا للمجلس القومي للمرأة ولا للمجلس الأعلى للمزلقانات ، وما تزال تنتظر أن يثوب هذا الشعب الأنكد إلى رشده فيقر لها بما تفعل فيه من إنجازات !! فمن أين تأتي المعارضة الشرسة القاسية بكل هذه الافتراءات ؟ لا أدري ..!!
والطابور- في اللغة – لفظ تركي على وزن فاعول مثل شاكوش وناقور وخازوق ، وهو وزن لا تعرفه الفصحى إلا من أوزان اسم الآلة غالبا ، وهذا يؤكد ما ذهبت إليه من أن الطابور آلة من آلات الترفيه التي استحدثتها الحكومات للتسرية عن الناس .فإذا جمعت لشعوبها – بجانب الطوابير – وجوها سمحة ناعمة رقيقة هادئة لحد البله ووزعتهم على شاشاتها ليل نهار، يكذبون ويضحكون ، ويسرون عن الناس ، بما يقولون وما يفعلون ، فماذا تفعل أكثر من ذلك لهذا الشعب الكنود؟
====================
Mostafaragab1@gawab.com
==============

الجمعة، 12 سبتمبر 2008

أفعل التفضيل وجنايته

جناية [ أفعل ] التفضيل على الشخصية العربية !
د. مصطفى رجب

لا أحد يستطيع أن يحدد بالضبط بدء ولع العقل العربي باستخدام صيغة التفضيل ، فكتب الأدب تروي الكثير عن أهجى بيت ، وأمدح بيت ، وأغزل بيت ، وأفخر بيت قالته العرب !! ومن العجيب أن بعض المؤلفين – قديماً وحديثاً – قد يدفعهم تعصبهم لشاعر كبير كجرير مثلاً إلى أن يجعلوا قوله :
ألستم خير من ركب المطايا وأندى العالمين بطون راح ؟
هو أمدح بيت قالته العرب ، وقوله :
إن العيون التي في طرفها حور قتلننا ثم لم يحيين قتلانا!
أغزل بيت قالته العرب ، ويختارون له أهجى بيت ، وأفخر بيت إلى آخر هذه اللعبة التي تنتهي بالحكم المتوقع : أن جريراً هو أشعر العرب !!
هذا التفكير " الأحادي " – بضم الهمزة أو بمدها ( الآحادي) - ، كانت له انعكاسات خطيرة على العقل العربي ، فأبو حنيفة هو أعظم الفقهاء ( عند أنصاره بالطبع ) ولما كان الشافعية يرون إمامهم الشافعي هو أعظم الفقهاء وأتقاهم ، كان عليهم واجب لازم : وهو الحط من مكانة أبي حنيفة ، ولأن مالكاً هو أعلم الثلاثة كان لابد للمالكية من التهوين من شأن أبي حنيفة والشافعي ، وهكذا صنع الحنابلة ، ولأن الأربعة في النهاية هم " الأعظم " فقد ضاعت جهود فقهاء عظام لم تتح لهم شهرة الأربعة مثل : الأوزاعي ، والإمام زيد ، والليث بن سعد ، وداود الظاهري ، وغيرهم .
ويمكن أن يقال نفس الكلام عن علماء الحديث ، فغالبية المسلمين يطيب لهم استخدام تعبير " أصح" كتاب بعد كتاب الله كوصف لصحيح البخاري أو صحيح مسلم . والإباضية يصفون مسند الربيع بن حبيب بأنه " أصح " كتاب بعد كتاب الله فتتسع هوة الخلاف – نفسياً على الأقل – نتيجة الإحساس بالدونية الذي يرتبط ارتباطاً حتمياً باستخدام صيغة التفضيل .
ومع أن كتب اللغة تؤكد أن التفضيل كصيغة اشتقاقية لا يعني إلا زيادة المفضل على المفضل عليه ، دون سلب المفضل عليه الخاصية الأصلية التي هي موضوع التفاضل ، إلا أن قولنا : زيد أحد بصراً من عمرو أصبح يعني في مفهومنا أن عمرواً لابد له من نظارة طبية كثيفة كثافة الشعر الحداثي !!
مع أن نظره قد يكون مثلاً 6 على 9 في حين يكون نظر زيد 6 على 6 ، وبذلك يكون هناك ملايين – من الخليج إلى المحيط – نظرهم يتراوح بين 6 على 12 و 6 على 60 ولكنهم لا يشعرون بالمهانة التي يشعر بها عمرو حين يسمع تلك الجملة التفضيلية .
والذي ترتب على هذا :
أولاً : انحياز المفضَّل عليه إلى نفسه ، وانحياز أنصاره إليه ومحاولتهم الذب عنهم ، فنتج عن ذلك أن وجد في المجتمع العربي فريقان كبيران : الفرزدقيون والجريريون ، وتحولت العقلية العربية من الأحادية إلى الثنائية . ففي مصر مثلاً أكثر من خمسة عشر نادياً رياضياً ولكن المصري الأصيل لابد له من أن يكون أهلاوياً أو زملكاوياً . . فالنادي الأهلي ونادي الزمالك هما جرير والفرزدق ، ولا معنى لأن يشجع أحد أحداً غيرهما .
وكثير من شعرائنا في مطلع هذا القرن كانوا مجيدين حقاً – بمقاييس عصرهم – مثل أحمد محرم ومحمد عبد المطلب وخليل مطران وعلي الجارم ، ولكن الكرة الأرضية لم تكن تتسع إلا لاثنين : شوقي وحافظ . وشأن الأدب شأن الشعر ففي الوقت الذي كانت أقلام : محمد حسين هيكل ، وتوفيق دياب ، وأحمد أمين ، وعبد الوهاب عزام ، ثم توفيق الحكيم ونجيب محفوظ ، لم تكن الساحة تحتمل إلا المبارزين الاثنين : طه حسين والعقاد .
ولابد لكل مسلم بالغ عاقل – كما يقول الفقهاء – أن يشجع أحد الشاعرين : شوقي أو حافظاً ، وأن يشجع أحد العملاقين : طه حسين أو العقاد .
وإذا أردت إقناع أحد المتعصبين بأنك متحرر عن التأييد المطلق والذم المطلق ، وأنك تحب لطه حسين الأيام وحديث الأربعاء بنفس الدرجة التي تحب بها كتاب العقاد عن ابن الرومي وكتابه عن نفسه " أنا " اتهمك من تناقشه بأنك من " الباطنية " أو من الذين يؤمنون بمبدأ " التقية " أي أنك متحيز ولكنك تخفي تحيزك لأديبك المفضل . .
وما زالت صحافتنا تكرس هذا الوضع ، ففلان أشجع العرب ، وفلان أعلم أهل عصره ، وفلان أمهر لاعب في الفريق .
ومن الأحادية إلى الثنائية أضاع العقل العربي جهوداً كبيرة في الخصومات والعصبية كان من الممكن أن تستغل لمزيد من العطاء والإبداع ولا حاجة بنا إلى تضييع الوقت في المقارنة بين البحتري وأبي تمام ، وشوقي حافظ ، والمتنبي وأبو جلمبو . . !!!