السبت، 27 يونيو 2009

أهمية أن تكون عبيطاً!!!!!!!!

قد ينكر علينا المتسرعون من القراء هذا العنوان ، وقد يصرفهم هذا العنوان صرفا عن المضي في القراءة ، فقد عوَّدتهم الصحف الحكومية على السهل من القول ، فهي تحدثهم مرة عن ( طشة الملوخية ) كما فعلت أخبار اليوم ، وتصف لهم مرة لحم البعارير ( صغار الإبل ) على مائدة ملك السعودية كما فعلت مرة جريدة الجمهورية .
أما هذه العناوين التي تظهر في الصحف غير الحكومية فهي من الغريب من القول ، الذي يتطلب من قارئه صبرا ومثابرة إلى آخر المقال ، وقد يكلفه المقال عنتا حين يضطره اضطرارا إلى تشغيل عقله الذي يركن – بحكم العادة وبحكم قانون الجهد الأقل – إلى الدعة والاسترخاء ، والتمتع باللون ( البمبي ) الذي يغلب على سطور صحف الحكومة ، ويشيع على ألسنة قارئي نشرات أخبارها المذاعة والمتلفزة .
فأن يكون المرء عبيطا مما لا يستسيغ عاقل قبوله ، وبخاصة أن أحدا من الناس – حتى أولئك الذين يشجعون الحكومة – لا يروق له أن يتخيل إمكانية أن يكون عبيطا ، مع أن واقع الحال أنه ( مقلب ) عبط عظيم !! إذ كيف يشجع الحكومة وهو يراها تحكم الناس كما لو كانوا قطعانا من الغنم ، وتفتك بهم كما لو كانوا أسرابا من الصراصير ، وتلعنهم آناء الليل وأطراف النهار كما لو كانوا فريقا من الأعداء ؟
أنا شخصيا معجب بالحكومة أشد الإعجاب ، وتجمعني معها في المنام أحلام شديدة الإحراج لو بحت بها لأرسلوني في زورق أطلب الرزق في إيطاليا ، ومع هذا فأنا لا أرفض أن أوصف بأنني عبيط .
وإليكم الأدلة :
- في 22 أبريل 1980 وبالتحديد في تمام الساعة العاشرة والدقيقة الثانية والعشرين ، وبينما كان عم عبده قد شرع رسميا في استقبال ضيوفه على عربة الكشري الفاسد المتحركة ، دلفت – بقدميَّ هاتين – إلى لجنة الاستفتاء وقلت ( لا ) للتعديلات الدستورية التي طلب رأينا فيها الرئيس المؤمن رحمه الله وكانت تتلخص في أربع مواد مقترح تعديلها وإضافتها ، وقال (لا) مثلي كثيرون أعرفهم ، وحين ظهرت النتائج التفصيلية في اليوم التالي تبين أن أكثر من صوَّتوا في مركز طهطا قالوا : نعم ، وأقلية قليلة جدا هي التي قالت ( نعمين ) !! ولكن لا أحد في بلدنا قال ( لا ) فقد تم إعلان الموافقة بنسبة مائة في المائة ، من يومها وأنا أضحك من نفسي ، وأتعجب كيف قمت بالتصويت في جزر القمر وأنا أظن أنني صوَّت في طهطا ؟ !!
- حين كنت أُدعى من مسؤولين بالتربية والتعليم للمشاركة في لقاءات مع وزير التربية تتم بالدوائر الصوتية المرئية ( الفيديو كونفرنس ) كنت أرى كيف يتم الاجتهاد العنيف في التنظيم والترتيب لتبدو الصورة أمام معاليه ( حلوة !!) ومع ذلك كنت أضبط نفسي بين الحين والآخر متحدثا عن هذه اللقاءات كما لو كانت لونا حقيقيا من ألوان الحوار الحقيقي في شؤون التعليم !! وأنا أرى في مدارس القرى والمدن في الصعيد ما يستحيل تخيله على أي نفس سوية ، مما لا يمكن يالطبع أن يصل إلى سمع ولا بصر معاليه ، ومعاونيه ، ومشابهيه ممن يكموننا من 6 أكتوبر بالدوائر المغلقو فيما نحن نعيش في 66 أبريل في دوائر مفتوحة من القهر والفقر والعوز . ثم نطالب بأن نحمد للحكومة ما تفعله فينا وبنا تحت دعوى التحديث والتطوير . فماذا يسمى هذا إن لم يكن عبطا أو لبطا ؟
- حين سقطت دورة مياه قطار من قطارات الصعيد بسيدة وطفلها ففرمتها عجلات القطار ، صرح سليمان متولي بأن الأحوال ستنصلح ، وبعد أن ترك الوزارة احترق قطار بخمسمائة من ركابه تفحمت جثثهم ليلة العيد الكبير في فبراير 2003 وظهر عاطف عبيد مبتسما وحمَّل ( القتلى ) كما وصفهم مسؤولية احتراق القطار ببابور جاز فيما زعم ، ولكن الوزير المختص حينذاك لم يعجبه ما حدث وحقق مع رئيس هيئة السكك الحديدية الذي تبين من التحقيقات – فيما نُشر – أنه يتقاضى شهريا مائة وثمانين ألف جنيه راتبا وحوافز ومكافآت .[ اللهم لا حسد ولكن ...حقد طبقي !! ] وقد انتهت التحقيقات إلى ترفيع رئيس الخيئة هذا إلى وظيفة أعلى عائدا بالوزارة ، وتم مجازاة أربعة محولجية وثلاثة عمال وسائقين تحت التمرين بخصم الحوافز منهم ومنعهم من تناول الشيبسي لمدة 6 شهور نتيجة تسببهم في احتراق جثث خمسمائة فقير من فقراء الصعيد . وهي العقوبة الرادعة التي كنا نود أن تُوقَّق على ممدوح اسماعيل ...!! ومع ذلك كله صدَّقنا ما قيل بعدها من نية الحكومة في تحسين الخدمة والذي تحقق فعليا حين وضعوا على باب محطة مصر أجهزة إنذار لا تعمل ، يجلس حولها جنود نائمون ، وحين صدر قرار بتحصيل 150 قرشا من كل من يذهب لتوديع عجوز أو معوق يريد ركوب القطار !!!
- أذيع في برنامج (48) ساعة على قناة المحور مساء الخميس 25/6/2009 افتكاسة حكومية فذة نسبوها للدكتور أحمد درويش وزير التنمية الإدارية الذي اقترح حلا عبقريا لازدحام القاهرة يتمثل في أن يؤدي الموظفون أعمالهم من منازلهم !! غير أن عَبَط الموظفين جعلهم يتهكمون على هذه الافتكاسة الجهنمية ، طبقا لما جاء في التقرير الذي عرضته القناة ، ولو صدَّقوا معاليه ونفذوا اقتراحه لأراحوا واستراحوا من التكدس في الباصات ، ولأصبحت القاهرة جنة الدنيا هدوءا وسكينة ولأتاح هذا فرصا أفضل لزيادة النسل ، ولتحسنت قدرات ربات البيوت في الطبخ والكيّ وسواهما من الشؤون المنزلية !! فبإمكان السيدة الموظفة أن ترد على استفسارات المصلحة بالمحمول بينما هي منهمكة في إعداد ( طشة الملوخية ) التي تقض مضجع أخينا القط ، كما يمكنها أن تفاكس عملاءها أو تتأميل معهم [ أي تنهي لهم معاملاتهم بالفاكس والإي ميل ] وهي تعجن أو تخبز أوتشوي أو تكوي أو حتى وهي تُرضع – بضم التاء - . كما يمكن للموظف أن يراجع أوراق عملائه وهو مستلق على سريره الوثير يتابع المباريات ، أو يراجعها في المطبخ وهو يغسل الأطباق . على أن الأزمة الحقيقية ليست خلو منازل موظفي مصر الغلابة من الفاكسات والحواسيب ، وليست جهلهم باستعمالها ، وإنما الأزمة الحقيقية تتمثل في كيفية وصول الرشوة إلى الموظفين في منازلهم ، فالوزير نفسه قال يومئذ ( إن الموظف المصري يتلقى الرشوة ويحرص على صلاة الجماعة !! ) وهو قول غريب لا نستطيع قبوله إلا بكثير من العَبَط ، إذ كيف يشكو وزير من أن مرؤوسيه يرتشون ولا يفصلهم ؟
ألم أقل لكم إن من الأهمية بمكان أن تكون عبيطا في هذا الزمن مع هذه الحكومة الذكية؟
mostafaragab@maktoob.com