كلمة ( بِمْ ) بكسر الباء وسكون الميم ، تشيع في العامية المصرية ولا سيما في قولهم ( ما حدش يقدر يقول بِمْ !! ) ودلالتها قريبة من دلالة ( تلت التلاتة كام؟ ) في قولهم ( ماحدش قادر يقول تلت التلاتة كام ؟ ) وتنحصر هذه الدلالة في عجز ( أو صمت أو نفاق ) من يشعر بالغبن أو بالقهر أو بمجاوزة الحد عن مواجهة من يقهره أو يغبنه أو يتجاوز حدوده . عجز خاص : ينم عن خوف شديد ، أو صمت ينم عن قهر شديد ، أو نفاق ينم عن ضعف شديد.
وأيا ما كان الحال ، فإن النتيجة واحدة : يزداد الطاغي طغيانا ، ويظن نفسه ملهما قدّيسا لا يخطئ ، لأنه لا أحد يعارضه ، ويزداد الضعيف ضعفا ، والمقهور قهرا ، ويظن نفسه مبتلًى
ويبشره علماء الطغيان بأن الابتلاء لون من الاجتباء ، وكلما تمادى في صبره على الابتلاء اقترب أكثر من أبواب الجنة وازداد حظه من الحور العين ، لأن الصبر على الابتلاء لا حدود لما وراءه من مثوبة .
ومن هنا تروج بين الدهماء أفكار التبعية والولاء والصبر على البلاء والسمع والطاعة لأي " بتاع أو بتاعة " ، ويصبح الحق غريبا ، والمُطالِب به عجيبا ، ولو كثر المطالبون فسيظلون دائما في خانة التمرد لأنهم [ .. شرذمة قليلون ] ويصبح قول ( بِم ْ... ) مؤشرا على الخروج ، وتهديدا لاستقرار تجار الآثار وأصحاب البروج ، وإيذانا بخروج يأجوج ومأجوج .!!
وفي أوائل شهر أبريل من عام 2008 [ بَمْبَمَ ] بعض الفتيان والفتيات بحواسيبهم ومحمولاتهم ، وتنادوا بلزوم البيوت ، وعدم الخروج ، حتى لا يُتَّهَموا ب"الخروج " ، وتكاثر قول ( بم ) على مواقع الشباب ، حتى أقلقت ( بِمُّهم ) تلك كبريات الأسماء والألقاب ، فاهتزت لطنين تلك ال( بم ) الرقيقة عروش محافظين فطارت في الهواء ، ومادت مقاعد رتب كبيرة فغاصت في الماء ، وعاد الشباب إلى عبثهم بحواسيبهم ومحمولاتهم لاهين ضاحكين بعد أن استهوتهم اللعبة ونووا تكرارها ليستمتعوا برؤية العيون الراقصة المتربصة ، وهي تبدوعلى الشاشات متلصصة ، وليستمتعوا برؤية الكروش والمؤخرات الملأى وهي في المقاعد- أمام حسناوات المذيعات – غائصة ، وليروا أقدام الكبار تختل حين يمشون ، وكلماتهم تتقاطع وتتلوى حين يتكلمون فلا يكادون يُبِينون عما يشعرون .
ولعل الشباب ضحكوا وأسرفوا في ضحكهم حين انتهى إليهم نبأ تجزئة بعض المحافظات ، و" تلوية " بعض المحافظين ، ثم بعدما استبان لذوي الشأن أن تلك التجزئة جاءت ضيزى فعدلوا عنها ، وعدّلوها مسرعين ليتبين للناس ألا دراسة علمية سبقت تلك التجزئة التي أعقبت " انتحابات " المحليات ، فأوجبت – أي التجزئة – إما تقسيم الأعضاء أو اختيار غيرهم .
ولعل الشباب ضحكوا وأسرفوا في ضحكهم حين رأوا أن تلك ال( بم ) الصغيرة التي يكتبونها في منتدياتهم آناء الليل وأطراف النهار ويلهون بها لينسوا ما هم فيه من همٍ بالليل ومذلةٍ بالنهار ، وبطالةٍ بين الليل والنهار ، تحرك جيوشاً ، وتبدّل عروشا ، وتهز كروشاً ، فأسروا تكرارها يتلهّون بها ويرون فيها مغازلةً لحكومة لا تعرف عنهم إلا أنهم – وإن تكاثر عددهم -[ .... شرذمة قليلون ] " صائعون " لم تعرف التربية الحق طريقا إلى نفوسهم القلقة .
ولكن الحق الذي لا شك فيه أن هؤلاء ( العيال ) لن يكفّوا عن عبثهم بحواسيبهم ، ولا عن تلاعبهم بمحمولاتهم ، ولن يصح أن يلعبوا بنا كما يحلو لهم .. فهل نتركهم هكذا يتمادَوْن في غيّهم ؟ ونفكك لهم المحافظات فلا يقنعون ؟ ونطيّر لهم رؤوس المحافظين فلا يكتفون ؟ الحق أن هذه لعبة خطرة شديدة الخطر . ولا يصح أن يسكت وزير التعليم غير العالي بل يجب عليه أن يجدّ ويكدّ في عقد المؤتمرات ومأمرة المنعقدات وأن يغيّر أرقام الجلوس وأرقام القيام وأرقام الركوع حتى ينتهي الموضوع فلن تسلم الجرّة في كل مرّة ، والحمد لله أنها طالت المحافظين ولم تنل من الوزراء نيْلا .
ولا يصح أن يسكت وزير التعليم العالي بل يجب عليه أن يتخير من أولئك الشبّان فريقا يدفع بهم إلى معسكرات إعداد " القادة " التي يقتطع لها من ميزانيات الجامعات ملايين ينفقها على (شرذمة منتفعين ) بلا أي طائل ، وليطلب منهم – هذه المرّة – أن يجعلوا لأولئك الشبّان نصيبا من كعكة المشروعات وتنمية القدرات وقدرنة التنميات . حتى يبعثوا أولادهم إلى فرنسا ليتعلموا بمئات الآلاف من الفرنكات – كما يفعل معاليه – من مرتبه!!! فيعودوا شبابا هادئا لا يقولون لشيء ( بم ) .
ولا يصح أن يسكت وزير الأوقاف بل يجب عليه أن يأمر وعاظه وخطباءه أن يوجّهوا الشباب المتفيّس ( = مرتادي الFACE BOOK ) إلى أن الدنيا زائلة وأن خير ما فيها هو العمل الصالح الباقي . أفلا ينظرون إلى الوزير كيف دفع بأموال وَقَفَها أصحابها على أعمال البرّ ليسهم بها في تعمير توشكى ؟ وهل هناك بِرٌّ أبرّ من توشكى في هذه الدنيا الفانية الزائلة؟ أفلا ينظرون إلى معاليه ينفق عشرات الملايين على الرسيفرات ليؤذّن للقاهرة كلها مؤذّن واحد حتى يأمن أهلها من الضجيج والضوضاء التي لا مصدر لها إلا تعدد الأذان ؟ ولعل الشباب يسمعون لمعاليه فيقتدون ويتأثرون ولعلهم لا يسرفون على معاليه في هذه الورطة الرسيفرية التي دهمته من حيث لا يحتسب حين تقسمت القاهرة إلى محافظات ثلاث ، أفيكون توقيت 6 أكتوبر هو ذاته توقيت عزبة النخل ؟
ولا يصح أن يسكت علماء التليفزيون الرسمي الذين لا يشاهدهم إلا مَن كَتَبَ الله عليهم العمل بالتسجيل والإضاءة وما إليها فهم يسمعونهم – أثناء التسجيل – مُكرَهين – [ مع أنهم يعلمون ألا إكراه في الدين ] فعلى هؤلاء العلماء الأفاضل أن يبصِّروا هؤلاء الشبان بأن قول ( بم ) قد يرتفع بقائله من مستوى "المكروه " إلى مستوى "الحرام " فعليهم أن يتوبوا إلى ربهم ، ويحطموا تلك الحواسيب وأجهزة المحمول لأنها من البدع ، وكل بدعة ضلالة ، ولكل ضلالة دلالة ، فهي تدل – إذا أسرفوا على أنفسهم وعلى قومهم في استعمالها – على أنهم [ ... شرذمة قليلون ] لإيران منتمون ، وب "روسيا " معجبون ، ومن حماس مموَّلون
وإلى جهنم مصيرهم لو كانوا يعلمون .
فيا أيها الشبان : ثوبوا وتوبوا ، الصبر على الابتلاء من علامات الإيمان . وقول ( بم ) عيب على من كان في مثل ثقافتكم الرفيعة التي لولا فضل الله وكرم وزير التعليم العالي وسخاؤه مع الجامعات ما ظفرتم بها يوم كنتم تدرسون .